القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار الرياضة

المعلمة وتيدي تأليف : وئام عبد الغفار


المعلمة وتيدي


 تأليف : وئام عبد الغفار



القصة من صياغتي وبأسلوبي وتصرفي الدرامي .. ولكنها واقعية والمشاعر بها من تصرف الكاتب

لفت أنتباهى هذا الطفل " تيدي" .. دائما ملابسه بالية وغير نظيفة بلا مكواة ..  وإياك أن تقترب منه وتستنشق رائحته .. أنها رائحة كريهة تزكم الأنف وقد ترك شعره بلا تصفيف .. فضلا عن تخلفه الدراسي .. لا أعرف كيف أكذب حتى أقول له كلما قلت لزملائه أني أحبكم .. فأنا لا أحب هذا الغبي .. رغم أني معلمة الفصل وبمثابة أم لكل الأطفال .. أطفال الصف الخامس الابتدائي في مدرستي التي تقع في ضاحية من ضواحي لندن العاصمة البريطانية .. ومنذ أن عملت في مهنة التدريس وأنا لم أصادف مثل هذا الطفل السيئ  .. أنه لا يستوعب ما أقول .. ويجلس خلف الصفوف متبلد .. شاخص النظر   

 في اجتماع  بحث الحالات الاجتماعية الشهري .. لا أعرف سر اهتمامي عندما طلبت ملف هذا الولد الشقي .. فعلا .. أحضرت سوزان .. المشرفة الإجتماعية تقرير إجتماعي عن تيدي .. أخذت  الملف ولم أنظر فيه إلا  في المساء وأنا أجلس بإسترخاء بحديقة المنزل  بعد أن أحضرت زجاجة عصير بارد من أجل أن تلطف من سخونة الملف المتوقعة داخلي .. فتحت الملف وأنا أتساءل عن سر إهتمامي المفاجئ بهذا الصبي .. ربما لأني أكره الإستسلام للتعامل مع مثل هذه الحالات الشاذة .. وقد يجعلني الملف أبحث عن مبرر لإستمرار تعاملي معه أو إقتراح فصله من المدرسة .. لا فائدة من تعليم مثل هذه النماذج الفاشلة  في مدارس الصفوة .. أوه مفاجأة .. هذه هي شهادة الصف الأول .. أنه أمر عجيب ..  أنه الأول .. أن ترتيبه الأول علي الفصل .. يا ربي .. هذا فعلا ترتيبه .. وما هذه التوصية .. شهادة تزكيه من المعلم تقول : تيدي .. طفل موهوب ونظيف ومنظم  ومحبوب ..هذا مدهش .. أصابني الأمر بالحيرة .. سوف أبحث عن الشهادة التالية ..نعم هي .. يا ربي المعلمة كتبت .. أنا منزعجة من تأثير إصابة والدة تيدي بالسرطان علي مستواه الدراسي .. إلا أنه مازال الأول وهو طفل محبوب وذكي .. يا ربي .. يا ألهي ..  أه .. مفاجأة .. لابد أن أتوقف عن القراءة حتى أستعيد أعصابي .. كنت ظالمة .. كيف لم أستنبط ذلك .. هو لا يتلقى رعاية أم .. مسكين هذا البائس الصغير .. الآن ..  بدأت أدرك ..  أفهم .. تجمعت الدموع في عيني .. أنا مجرمة .. لا أستطيع ابتلع  مشروبي .. أبتلع بصعوبة .. تكرس داخلي حزن .. آسفة تيدي علي ما فعلت معك  من تجاهل   واشمئزاز .. أنني اقترفت الإثم يا صغيري.. أخذت أردد وأنا أبكي قائلة " الحياة لا أمان لها يا تومسون " الأن..  علي أن  أفتح الملف .. ها هي شهادة الصف الثالث .. يا تري ماذا حدث لأمك يا تيدي .. أوه .. أوه .. ماتت أمه  وهو في الصف الثالث .. يقول المعلم : منذ ماتت أمه وهو غير مستقر مع أبيه .. ولا يوجد رعاية له .. أنه مسكين .. صبي غير محظوظ .. كم كنت قاسية عليك يا تيدي .. لم أعرف سبب ما تعاني حبيبي الصغير .. أنا معلمة لا تستحق الإحترام .. يكفي هذا .. سوف أعمل من غد علي مساعدة هذا الشقي الصغير
قبل أن أذهب للمدرسة إشتريت له من السوق قميص و بنطال جديدان فضلا عن حذاء وحقيبة مدرسية
 في اليوم التالي .. دخلت الفصل .. كان تيدي يجلس كعادته في أخر الفصل .. قميصه قد أتسخ ..  يحتاج للغسل والكي .. شعرة يحتاج للتقصير والتهذيب والتمشيط .. لا يرتدي جورب رغم برودة الطقس .. نعم نظرت إليه بعين الشفقة .. ثم طلبت منه الحضور بحيث يجلس بجواري في أول صف حضر وهو يرتعد .. خائف .. يخشى من عقابي .. تعمدت الابتسامة وأنا أنظر له حتى يطمئن .. وبكل الود سألته قائلة وأنا أشعر بالخجل منه : هل نمت جيدا هذا المساء يا تيدي .. رد بابتسامة .. نعم نمت  جيدا أستاذة .. قلت له لقد علمت أنك كنت الأول عندما كنت في الصف الأول .. رد وهو ينظر في عيني ببراءة الطفولة.. نعم .. عندما كانت لي ماما .. نظرت له بحنان .. وقلت من اليوم اعتبرني مثل أمك .. فأنا مدرستك ومعلمتك.. ويسعدني أن أكون أم لتلميذ ذكي مثلك  ..  ثم أعطيته ما إشتريت .. قائلة له هذه الهدايا بمناسبة عيد ميلادك الذي مر عليه وقت وجيز .. مرت الأيام وقد بدأ تيدي .. يستعيد ثقته بنفسه ويتقدم دراسيا .. وعندما سألته : ماذا تريد أن تعمل بعد التخرج .. فرد بحماس : طبيب .. سألته بدهشة لماذا ؟ .. فقال حني أعالج الناس ولا تموت بالسرطان مثل أمي ..ظل الحوار دائر بيننا  حتى جاء  عيد الميلاد ..  وأحضر الاطفال كعادتهم الهدايا .. وأحضر تيدي لي هدية غريبة .. عقد غير مكتمل .. ناقص .. فارغة حباته من ماسات اللؤلؤ وأحجاره غير مكتملة .. فضلا عن ربع قارورة عطر شبه فارغة .. وضعهما في حقيبة بلاستيكية قديمة للسوبر ماركت ومعها كلمة .. "أحبك ماما تومسون".. بينما أحضر زملاءه هدايا أنيقة وملفوفة بعناية .. تعمدت أظهار سعادتي بهدية تيدي .. خصوصا أن زملاءه قد سخروا من هديته لي .. وحتي يكف زملاءه عن الضحك والسخرية .. أخرجت و  ارتديت  العقد ووضعت من العطر علي ثيابي وأنا أشكر تيدي عليه ..وبعد اليوم الدراسي .. قابلني تيدي .. ليقول لي كم أنت اليوم مثل أمي بعد أن وضعت من قارورة عطرها .. كانت لكلماته وقع وتأثير كبير علي .. جعلني أحتضنه وأنا أجهش بالبكاء .. أمنيته أن يري أمه ولو في معلمته .. أنه اليتم الذي يترك في نفس الطفل علامات لا تزول حتى ولو زال الزمن .. مرت الأيام وتيدي يتقدم حتي أستعاد مكانته وسط الأطفال .. وقد رشحني مع زملاءه أن أكون أفضل معلمة .. ومرت الأيام وتخرج تيدي وتفوق وألتحق بكلية الطب كما هي أمنيته.. ومرت سنوات الجامعة .. حتي طلب مني تيدي حضور حفل تخرجه وأرسل لي دعوة بإسم أبنك تيدي.. فهو الأول علي الكلية .. وفعلا إرتديت العقد ووضعت عطر أمه .. وذهبت للحفل .. وكان لقاء مؤثر جدا .. قابلني بحفاوة وقدمني للحضور باعتباري معلمته  وملهمته وبديل أمه وسر تفوقه .. كنت سعيدة بما حدث .. وبعدها حقق حلمه القديم .. تحدي مرض أمه .. السرطان .. فتح مركز لعالج السرطان .. مرض امه اللعين .. أصبح علما من أعلام الطب أنه العالم .. تيدي ستودارد وهو من أشهر أطباء العالم
ومالك مركز( ستودارد) لعلاج السرطان


تعليقات