نقلا عن موقع مصراوي
الغربية - مروة شاهين:
منازل متهالكة نقش الزمن على جدرانها الخارجية، لوحات قاتمة الألوان، بفعل رشح المياه، الذي خرج من داخلها ليبدو وكأنه استغاثة تصرخ من الفقر المدقع.. هكذا تطبع ذاكرتك المؤقتة صورة النظرة الأولى حينما تطأ قدماك شارع حسن داوود في منطقة القرشي بمدينة طنطا، لتسأل عن موقع السراديب التي ابتلعت شابًا حاول التنقيب عن الآثار.
"مصراوي" خاض الجولة هناك، ونقل معايشة حية لما حدث في تلك المنطقة الشعبية في مدينة طنطا.
وسط الشارع، وقفت النسوة متشحات بالسواد، بينما تراصت المقاعد مستندة إلى جدران المنازل المجاورة ليستقر عليها جمع من أهالي المنطقة، وأقارب الشاب، نادر محروس، الذي بالكاد وصل به قطار العمر إلى محطته الـ19، والذي اختفى داخل حفرة للتنقيب عن الآثار ولا يزال البحث عنه جاريًا.
بوابة حديدية صغيرة تقبع بين جدارين متهالكين على مدخل المنزل، وحين تجتازها تجد نفسك وسط ركام وأكوام من الطوب الذي تناثر جراء تهدم جدران المنزل الداخلية.
لمسافة تمتد إلى حوالي 10 أمتار داخل المنزل يمكنك أن تقفز محاولًا تخطي أكوام التراب والطوب والأخشاب حتى تصل إلى مدخل الحفرة، التي ما إن تنظر فيها حتى تشعر بانقباض من تلك الظلمة التي تخفي معالمها الداخلية الممتدة لأكثر من 18 مترًا، والتي بدأت معالهما في الظهر بعدما أمسك "جابر" عم الضحية بمصباح أنار داخل الحفرة ليمكننا تصويرها.
"من يوم السبت وأنا بموت على ابني مش كفاية إنه مات حتى جثته مش لقياها.. عايزة تخرجوا ابني من تحت التراب".. كلمات كان من الصعب استيضاحها من فم السيدة المتشحة بالسواد، نظرًا لاختلاطها بنحيب متقطع ودموع دامية، حتى أنه لا يصبح من الصعب أن تعرف أنها "زينب" والدة الشاب المفقود.
حاول الجميع مواساة والدة الشاب، التي هدأت قليلًا وبدأت في حديثها لـ"مصراوي" قائلة: "نادر ابني الثاني، مع ولدين وبنت، وأخيه الأكبر، وكان يساعد والده في الإنفاق علي المنزل".
"ابني كان يعمل مع والده في ورشة أحذية مجاورة للمنزل، واعتاد أصدقاءه أن يأتوا إليه عقب انتهاء عمله" وتابعت "صحابه هم السبب في اللي حصله، انا كل اللي عايزاه إنه يطلع من تحت التراب".
جابر محروس، عم الشاب، قال "فوجئنا بغياب نادر منذ يوم السبت الماضي وبحثنا عنه في كل مكان، ولم نعثر عليه، وبعد سؤال أهالي المنطقة أكدوا أنهم شاهدوه برفقة أصدقاءه داخل منزلهم".
وتابع: "توجهنا إلى المنزل واقتحمناه لنجد أعمال الحفر مستمرة داخل المنزل، وسألنا أصدقاء نادر عن مكان وجوده لنكتشف بعدها المفاجأة، حيث اعترفوا لنا بأنه سقط أثناء العمل داخل حفرة تشبه سرداب الآثار ولم يخرج منها".
وأضاف عم الشاب، "اكتشفنا أنهم فكروا في إخفاء جريمتهم حتى لا يفتضح أمرهم وبدأوا في حفر حفرة أخرى وردموا التي وقع فيها نادر واختفى منذ يوم السبت الماضي."
وأشار محمد حسن، صديق نادر، إلى أنه كان على خُلق ويتمتع بسمعة طيبة بين أهالي المنطقة، مؤكدًا أن "أصدقاء السوء" هم من قادوه للاشتراك معهم لكي يساعدهم في أعمال الحفر والحصول على نصيبه من الآثار المزعومة تحت المنزل المتهالك، فتحول حلم نادر إلى كابوس".
وأوضح سعد الدين محمد، أحد أهالي المنطقة، أن أعمال البحث عن الشاب مستمرة منذ مساء أمس الأحد، لكن توقفت لحين انهاء إجراءات إزالة المنزل بالكامل، حتى يتمكنوا من استخراج الجثمان قائلا "الشارع كله منمش من امبارح حزنًا عليه عشان مش لاقيين جثته".
وأشار مصدر في مرفق الحماية المدنية بمحافظة الغربية، إلى أنهم حاولوا أكثر من مرة استخراج الجثمان ولكن الحفرة عميقة جدًا والمنزل أصبح آيلًا للسقوط ولا يستطيع أحد من فرق الإنقاذ النزول إلى الحفرة حتى لا ينهار المنزل فوق الجميع، وفي انتظار إنهاء الإجراءات القانونية الخاصة بإزالة المنزل حتى يتمكنوا من استخراج الجثة.
وأوضح أن مدير أمن الغربية اللواء محمود حمزة تلقى إخطارًا من اللواء السعيد شكري مدير المباحث الجنائية، بسقوط شخص في حفرة أثناء التنقيب عن الآثار، أسفل منزل بمنطقة القرشي، وانتقلت الأجهزة الأمنية إلى مكان الواقعة، برئاسة الرائد أحمد الهرميل مفتش مباحث طنطا، والرائد أحمد الحجار رئيس مباحث قسم ثان طنطا، وجرى إلقاء القبض على 5 أشخاص بتهمة التنقيب عن الآثار أسفل المنزل.
تعليقات
إرسال تعليق