- ∫∫التابعي عمر بن عبدالعزيز(٢) ∫∫
《 الــحــلقــــ١ـــة 》
١▣أيها الأخوة المؤمنون،مع
سِيَر التابعين رِضْوان الله تعالى عليهم
أجمعين،وتابعيّ اليوم هو سيّدنا
عمر بن عبد العزيز،
٢▣ولعلَّه الموضوع عن
هذا الخليفة،الذي عُدَّ بحَقٍّ خامس
الخلفاء الراشدين،فالحديث عن
هذا التابعيّ الجليل عمر بن عبد
العزيز حديث ذو شُجون،
٣▣فأنت لا تكاد تُلِمّ بِصُورة من
صُوَر حياته الفذَّة,حتى تُسْلمك
إلى أخرى أكثر بهاءً
٤▣كلَّما عظم الإنسان يصبح
الحديث عنه ذا شُجون،يمكن أن
نتحدَّث عن الصحابة الكرام سنوات
وعن التابعين سنوات،
٥▣وتؤلَّف الكتب والمجلَّدات،
وتُحلَّلُ الشَّخصِيات،تُدْرس المواقف
وتوصف الملامح،فالإنسانُ العظيم
هناك مَن يتحدّث عنه إلى أمدٍ طويل
٦▣إليكم هذه الصور الثلاث
الأخرى التي يرويها لنا الرواة عن
الخليفة عمر بن عبد العزيز:
:1》ما رواه دكين بن سعيد
الدارمي:
٧▣الأولى يَرْويها(دُكَيْن بن سعيد
الدارمي)أحد الشعراء الرجاز البداة
وهذا شاعرتعامل مع هذا الخليفة
يروي هذه القصَّة
٨▣قال:(امْتدَحْتُ عمر بن عبد
العزيز,يوم كان واليًا على المدينة،
فأمر لي بِخَمس عشرة ناقةً من
كرائم الإبل،فلمَّا صِرْن في يدي,
تأمَّلْتهنّ فراعني منظرهنّ،وكرهْتُ
أن أمْضي بهنّ وحدي في فِجاج
الأرض,خوْفًاعليهِنّ،ولم تَطِبْ نفسي
بِبَيْعِهِنّ
٩▣وفيما أنا كذلك,قدِمَت علينا
رُفْقةٌ تبتغي السَّفر نحْوَ دِيارنا في
نَجد،فسألتهم صحبةً،فقالوا: مرحبًا
بك،ونحن نخرج الليلة,فأعِدَّ نفسك
للخروج معنا
١٠▣فمَضَيْت إلى عمر بن عبدالعزيز
مُوَدِّعًا،فألْفَيْتُ في مجلسهِ شيخَين
لا أعرفهما،فلمَّا هَمَمْتُ بالانصراف،
الْتفتَ إليّ،وقال:يا دُكَين, إنَّ لِيَ
نفسًا توَّاقة،فإذا عرفْت أنِّي بلغت
أكثر مِمَّا أنا فيه الآن فأْتِني،ولك
منِّي البرّ والإحسان
١١▣فقلتُ:أشْهِدْ لي بذلك أيهاالأمير
؟ فقال:أُشْهِدُ الله تعالى على ذلك،
١٢▣هذا الكلام كان لمَّا كان واليًا-
فقلتُ:من خلقهِ؟-أيْ أريد شاهدًا
من خلْقه- فقال:هذين الشَّيْخَين،
فأقْبلْتُ على أحدهما،وقلتُ: بأبي
أنت وأمِّي,قلْ لي:ما اسْمك حتى
أعْرفك؟
١٣▣فقال:سالم بن عبد الله بن
عمر بن الخطَّاب,فالْتَفَتُّ إلى الأمير،
وقلتُ:لقد اسْتسْمَنْتُ الشاهد, -أي
هذا الشاهد جيّد
١٤▣ثمَّ نظرْتُ إلى الشيخ الآخر,
وقلتُ:ومن أنت جُعِلْتُ فداك؟
فقال:أبو يحيى مولى الأمير،
فقلْت: وهذا شاهدٌ من أهله، كان
شاعرًا ذو دعابة
١٥▣قال:ثمَّ حيَّيْت,وانْصرفْتُ
بالنُّوق إلى ديار قومي في نَجْد،
قال:فرمى الله فيهنّ البرَكة, حتى
اقْتَنَيْتُ من نِتاجهنّ الإبل والعبيد،
أي هذه الخمس عشرة ناقة طرحَ
الله فيهنّ البرَكة-
١٦▣ثمَّ دارَت الأيَّام دوْرتها،فبَين أنا
بِصَحراء ثلجٍ من أرض اليَمامة في
نجْد،إذْ ناعٍ ينعي أمير المؤمنين
سليمان بن عبد الملك,
١٧▣فقلْتُ للناعي:ومَن الخليفة
الذي قام بعدَهُ؟فقال:عمر بن عبد
العزيز،فما إن سمعْتُ مقالتهُ,حتَّى
شدَدْتُ رحالي نحو بلاد الشام،
١٨▣فلمَّا بلغْتُ دمشق,لقيتُ جريرًا
منْصرفًا عند الخليفة فحيَّيْتُهُ,
وقلتُ:من أين يا أبا حمزة؟فقال:
من عند خليفة يعطي الفقراء،ويمنعُ
الشعراء,اِرْجِعْ من حيث أتَيْتَ,فذلك
خير لك
١٩▣فقلتُ:ليَ شأنٌ غير شأنِكم،أنا
لي وضْع خاصّ،لي معه شاهدين
وعهْد،فقال:أنت وما تريد
٢٠▣فانطلقتُ حتى بلغتُ دار
الخليفة، فإذا هو في باحة الدار،
وقد أحاط به اليتامى,والأرامل,
وأصحاب الظلمات،فلم أجِد سبيلاً
إليه من تزاحمهم عليه
٢١▣ فرفعْتُ صوتي مرتفعًا:
يا عمر الخيرات والمكارم
وعمر الدسائع العظائم
٢٢▣ الدسائع جمعُ دسيعة،وهي
الجفنة العظيمة،والقدر الذي يُقدَّم
فيه الطعام
٢٣▣قال:
إنِّي امرؤٌ من قطنٍ من دارم
طلبْتُ دَيني من أخي المكارم
٢٤▣فنَظَرَ إليّ مَولاه أبو يَحيى
نظْرة طويلة،ثمَّ الْتفتَ إليه وقال:
ياأمير المؤمنين,إنَّ عندي لهذا
البدويّ شهادةً عليك,كان أحد
شهوده مولاه أبو يحيى،
٢٥▣فقال:أعرفها,ثمَّ الْتفتَ إليّ
وقال:اُدْنُ مِنِّي يا دُكَين،فلمّا صِرْت
بين يديه مال عليّ,وقال:أتَذْكرُ ما
قلتهُ لك في المدينة:من أنَّ نفسي
ما نالَت شيئًا قطّ،إلا أنَّها تاقَتْ إلى
ما هو أعلى منه؟
٢٦▣فقلتُ:نعم،ياأمير المؤمنين,
فقال:وهذا أنا ذا نِلْتُ غايَةَ ما في
الدنيا،وهو المُلك،فنَفْسي الآن تتُوقُ
إلى غايَة ما في الآخرة،وهي الجنَّة
٢٧▣ثمَّ قال:يا دُكَين،إنّي والله ما
رزأْتُ-أخذْتُ-المسلمين في أموالهم
درهمًا ولادينارًا منذ وُليتُ هذا
الأمر
٢٨▣وإنِّي لاأملكُ إلا ألف درهمٍ,
فَخُذْ نصفها،واتْرُك ليَ نصْفها,
فأخذْتُ المال الذي أعْطانيه، فو
الله ما رأيْتُ أعظمَ منه بركةً)
٢٩▣هذه أوَّل صورة،شاعر أعْطاه
يوم كان أميرًا خمس عشرة ناقة،
فلمَّا صار خليفة,أعطاه خمسمئة
دينار من ماله الشَّخصي،وهو يُقسمُ
أنَّه ما أخذ دينارًا واحدًا من
مسلمٍ من رعِيَّتِهِ
-
-
- :leaves:
- ∫∫التابعي عمر بن عبدالعزيز(٢) ∫∫
《 الـحـلقـــ٢ــة و #الاخيرة 》
:2- ما رواه قاضي الموصل
يحيى بن يحيى الغساني :
٣٠▣الصورة الثانيَة:يرْويها قاضي
الموصِل يحيى بن يحيى الغسَّاني،
يقول:(بينما عمر يطوف ذات يومٍ
في أسواق حمص,يتفقَّد الباعة،
ولِيَتَعَرَّف على الأسعار,
٣١▣إذْ قام إليه رجلٌ,عليه برْدان
أحمران قطريَّان,وقال: يا أمير
المؤمنين،لقد سمعتُ أنَّك أمرْت من
كان مظلومًا أن يأتِيَك,فقال: نعم،
وها أنا قد أتَيْتُكَ،وها قد أتاك رجل
مظلومٌ بعيد الدار،
٣٢▣فقال عمر:وأين أهلك؟ فقال:
في عَدَن،فقال عمر: إنَّ مكانك من
مكان عمر لبعيدٌ،ثمَّ نزل عن دابَّتِهِ,
ووقفَ أمامه,وقال:وما ظلامتُكَ؟
٣٣▣ فقال: ضَيْعَةٌ لي - بستان -
وثَبَ عليها رجل مِمَّن يلوذون بك،
وانْتَزَعَها مِنِّي،
٣٤▣فكتَبَ عمر كتبًا إلى عروة بن
محمَّد واليه على عَدَن, يقول فيه:
أما بعد،فإذا جاءك كتابي هذا,
فاسْمَع بيِّنَة حامِلِه,فإن ثبتَ له
حقّ,فادْفَعْ له حقَّه،
٣٥▣ثمَّ ختَمَ الكتاب،وناولَهُ الرجل،
فلمَّا همَّ الرَّجل بالانصراف,قال له
عمر:على رِسْلِك،إنَّك قد أتَيْتنا من
بلدٍ بعيد،ولا ريْبَ في أنَّك اسْتنفذْتَ
في رحلتك هذه زادًا كثيرًا،وأخلقْتَ
ثيابًا جديدة،ولعلَّه نفقَت لك الدابة،
٣٦▣ثمَّ حسب ذلك كلَّه,فبلغَ ذلك
أحدَ عشر دينارًا,فدَفَعَها إليه،وقال:
أَشِعْ هذا في الناس،قلْ للناس:إنّ
عمر أعطاني نفقة السَّفَر، حتى
لا يتثاقلَ مظلومٌ عن رفْعِ ظُلامتِهِ
بعد اليوم, مهما كان بعيد الدار)
:3-》-ما رواه زياد بن ميسرة
المخزومي:
٣٧▣وأما الصورة الثالثة:هذه
الصـورة يرويها العابد الزاهد زِياد
بن ميْسَرَة المخزومي,بِالولاء،
٣٨▣فيقول:(أرسلني موْلاي عبد
الله بن عياش من المدينة إلى
دمشق للِقاء أمير المؤمنين عمر
بن عبد العزيز في حوائج له،
٣٩▣وكانت بيني وبين عمر صِلَةٌ
قديمة,ترجعُ إلى عهْد ولايتِهِ على
المدينة، فدخلْت عليه,فإذا عندهُ
كاتبٌ يكتب له،
٤٠▣فلمَّا صرْتُ في عتبة الحجرة,
قلْتُ:السلام عليكم،فقال:وعليكم
السلام ورحمة الله يا زِياد,
٤١▣ثمَّ مضَيْتُ نحْوهُ خَجِلاً، لأنّي
لم أُسلِّمْ عليه بإمرة المؤمنين،فلمَّا
انْتَهيْتُ إليه قلتُ: السَّلام عليك يا
أمير المؤمنين ورحمة الله تعالى
وبركاته، عدَّلَ,
٤٢▣ فقال:يا زِياد, إنَّني لمْ أُنْكرْ
عليك السَّلام الأوّل، فما الحاجة
إلى الثاني؟
٤٣▣فكان كاتبُهُ إذْ ذاك يقرأُ
عليه مظالمَ جاءتْهُ من البصرة
مع البريد،
٤٤▣فقال لي:اِجْلسْ يا زياد حتَّى
نفْرغَ لك،فجلسْتُ على خشبة الباب
والكاتب يقرأ عليه،وعمر يتنفَّس
الصُّعداء من الهمّ،
٤٥▣فلمَّا فرغَ كاتبهُ من قراءة
الرِّقاع التي معه،وانطلقَ إلى شأنه،
قام عمر من مجلسِهِ,ومشى إليه،
حتى جلسَ بين يديّ عند الباب،
ووضعَ يديْه على ركبتي،
٤٦▣ثمَّ يقوم سيّدنا عمر بن عبد
العزيز بنفسه عند هذا المولى الذي
جاءهُ من المدينة،وقد أرجأهُ قليلاً,
لِيَحلّ قضايا المظالم،يبدو أنَّه غفل،
٤٧▣فقال لِزِياد:هنيئًا لك يا زياد،
لقد اسْتدفأْتَ بِمَدْرعتِكَ،واسْترحْتَ
مِمَّا نحن فيه,الخلافة كانتْ عبئًا
وكانت عليَّ مدْرعة صوف،
٤٨▣ ثمَّ طفقَ يسألني عن صُلَحاء
أهل المدينة؛رِجالهم ونسائهم واحدًا
واحدًا،فما ترك منهم واحدًا إلا
وسألني عنه
٤٩▣ثمّ سألني عن أشياء كان أمرَ
بها في المدينة,حينما كان واليًا
عليها، فأخبرتهُ عن كلّ ما سأل،
٥٠▣ثمَّ تنهَّد وقال:يا زياد,ألا ترى
إلى ما وقع فيه عمر؟فقلتُ: إنِّي
أرجو لك في ذلك خيرًا وأجْرًا،
فقال:هيهات,ثمَّ بكى,
٥١▣حتى رثَيْتُ له،وقلتُ: اِرْفِق
بِنَفسك يا أمير المؤمنين, فإنِّي
لأرجو لك خيرًا كثيرًا, فقال: ما
أبْعَدَ ما ترْجوهُ يا زياد!.
٥٢▣قال:لقد أصْبح في وُسعي أن
أشْتِمَ ولا أُشْتَم، وأن أضْربَ ولا
أُضرَب،وأن أوذِيَ الناس,ولايؤذيني
أحد،
٥٣▣ثمَّ بكى كرَّةً أخرى حتى جعلتُ
أرثي له، ولقد أقمْت عندهُ أيامًا
ثلاثة, حتى قضى ما أرسلني به
مولاي،
٥٤▣فلمَّا هممْتُ بالانصراف,زوَّدني
بِكتابٍ إلى سيّدي يسألهُ فيه: أن
يبيعني منه، ثمَّ أخرج من تحت
فراشه عشرين دينارًا،وقال: اسْتَعِن
بهذا المال على دنياك، ولو كان لك
حقّ في الفيء لأعْطَيناك،
٥٥▣فأبيْتُ أن آخذ المال منه،فقال:
خُذْهُ فما هو من مال المسلمين, إنَّما
هو من نفقتي، فامْتنعْتُ عن أخذه،
ولكنَّه ما زال بي حتى أخذتهُ منه,
ومضَيْتُ،
٥٦▣ فلمَّا بلغْت المدينة, دفعْت
بكتاب أمير المؤمنين إلى مولاي،
ففضَّه،وقال: إنَّما سألني أن أبيعك
له لِيُعْتِقَكَ, فلِمَ لا أكون أنا المُعْتِقُ
لك؟ ثمّ أعْتقَهُ)
٥٧▣أيها الأخوة الكرام،ما من عملٍ
على وجه الأرض,إلا ويمكن أن
يكون طريقًا إلى الجنَّة، فهذا
الخليفة العظيم,جعل من هذا
المنصب العالي,طريقًاإلى الجنَّة
وكلّ واحد يستطيع أن يجعل
ممَّا أقامه الله فيه طريقًا إلى
الجنة
والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين
تعليقات
إرسال تعليق