القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار الرياضة

قصة "ألم اقل لكم.....؟؟" بقلم إسماعيل أتبير



ألم اقل لكم.....؟؟


يخرج من بيته كعادته حاملا أوراق بين يديه، يتوجه بخطاه الثابتة نحو مقصده اليومي وهو يلقي التحية لهذا وذاك من أهل حيه الشعبي، الظاهرة على محياهم أثار الفقر الشديد والحيات القاسية التي لم تسمح للفرحة أن تجد طريقها إليهم إلا نادرا. عمر الشاب الطموح يأخد جولة أخرى بين الشركات والمصانع التي من شأنها أن توفر له عمل وفق تخصصه، فهو مند اربعة سنوات حصل على شهادة تفيد بكفئته المهنية في ميدان تصليح الأجهزة الإلكترونية، وعلى هذا النهج تتكرر كل ايامه يوما تلو الآخر. ها هو يقف من جديد أمام شركة لصديق له مند الطفولة بدون جدوى، نعم لقد بدأ يفقد شيء من طموحه ليتراجع خطوة بعد أخرى عن الباب الحديدي لشركة، فإنه عند آخر زيارة له لهذا المكان تلقى كلمات طيبة، تتستر على احساس بعدم الرغبة في تقبل طلبه الذي يرد في كل مرة، بعذر أن الشركة تعرف تضخم من حيت العمال.

قال له صديقه الذي أصبح بعد وفات أبيه يدير كل صغيرة وكبيرة في الشركة: 
- إعدرني يا صديقي، فإنك تعرف أن أبي بعد وفاته ترك عدة إلتزمات، ما إن أتوفق في حلها حتى أفكر في تعينك.
بعد ذلك انصرف ليسلك طريق آخرى يجدد أمله في الحيات ليواصل خطواته الثابتة نحو باب آخر وشركة آخرى.
يمضي الوقت بسرعة أمام هذا الكم الهائل من الطرق التي يتردد عليها في كل يوم، ليلقي نظرة على ساعته فيجدها تشير إلى السادسة مساء، لقد حان الوقت... إنه موعد الجلسة الحوارية المنتظرة، والتي يعقدها في مقهى قريب من محل سكناه، يلتقي بأصدقاء الدراسة في محاولة منهم لتناسي المشاكل الناتجة عن البطالة، يرفهون عن أنفسهم قليلاً بالحديث. بحكم أن عمر يتميز ببنية جسمانية عالية فإن صديقه رشيد ما إن يصل إلى الموعد حتى يداعبه بكلمات فكاهية عن قدرته العالية في تحطيم الأشياء الصلبة، وعدم قدرته على تحطيم روتينه اليومي، على هذه الشاكلة تفتتح كل جلسة من تلك الجلسات، ليتم إضفاء نوع من الدعابة في نفوس الأصدقاء الخمسة، الذين قضوا طيلة الأسبوع يبحثون على وظيفة هنا وهناك. أو عمل يدر لهم ببضعة دراهم لسيم أنهم شباب ويحتاجون لعدة أشياء من ملبس ومشرب وغير ذلك.

 - هل من أخبار بخصوص الطلب الذي أرسلته لشركة الإتصلات؟. يقول رشيد سائلا عمر.
 - لا...لا جديد يدكر في هذا الموضوع. وأنت ماذا فعلت في هذا الأسبوع؟
- الشيء الوحيد الذي فعلته هو أنني اجرية مقابلة مع عدة مدراء لشركات مختلفة التخصص. وكما العادة يا صديقي " اترك ملفك وسنقوم بدراسته ". هذا ما يقولون ولا شيء يحصل بعد ذلك.
- صبرا يا أخي... كل شيء سيكون على ما يرام.

لوح عبد الله بيده لنادل، بإشارة مألوفة ليحضر أربعة أكواب من الشاي المنعنع، وكوب من الحليب لرشيد، لكونه لا يحب الشاي مند أن كان صبيا. طلب يتردد في نهاية كل أسبوع اعتاد عليه النادل، كما إعتاد على تخصيص الطاولة المطلة على الشارع للأصدقاء الخمسة... فما إن يصل الطلب وتوضع الأكواب على الطاولة حتى تعطى إنطلاقة الحديث والنقاش الساخن بينهم في عدة مواضيع، سواء أكان يتعلق بالموضوع الذي هم على أساسه مجتمعون، أو بعيد عنه، وقد تتعالى أصواتهم في المقهى حتى أن الزبناء في غالب الأحيان يعتقدون أنه نشب شجار بينهم أو ما شابه ذلك. بالرغم من هذا فإنهم لا ينسيهم الحديث أن يأخدوا جرعات من الشاي أو الحليب بين الفينة والأخرى.

لاحظ الأصدقاء الخمسة دخول رجل غريب تبدو عليه سمات الرفاهية والغنى، يرتدي بدلة سوداء وعلى رأسه قبعة عريضة تشبه تلك التي يرتديها سكان المكسيك. لفت إنتباههم شيء آخر بخصوص الأوراق العديدة التي وضعها على الطاولة فور جلوسه على الكرسي... مرة نصف ساعة ولم يلتفت الرجل يمينا ولا يسارا، بل ظل يقراء في تلك الأوراق المبعثرة امامه على الطاولة ولم يطلب شيء من النادل ليشربه، كان منهمكا في الكتابة والجمع بين عدة معلومات ينتقل من ورقة لأخرى كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. ضل الرجل على هذه الحال لمدة طويلة حتى أن النادل أقبل عليه للمرة الثالثة ليسأله عن ما إذا كان يريد شرب شيء، في كل مرة كان يستأدنه بأن يؤخر الطلب إلى أن يصل شخص ما كان على موعد معه.

تابع الأصدقاء الخمسة تناول الشاي والحليب و واصلوا الحديث بينهم. وبعد بضع لحظات مر النادل بجانبهم مسرعا نحو صاحب المقهى - في المطبخ الذي كان نصف حائطه العلوي مكشوفا على فيناء المقهى - ليخبره عن تعطل جهاز التلفاز دون أن يعلم سبب عطله، قام صاحب المقهى مفزعا من مكانه وهرول بدوره نحو التلفاز ليتفحصه بنفسه. بما أنه ليست لديه دراية في أعطاب التلفاز فإله لم يبادر بفكه بل ظل يحوم حوله من كل الجهات متسائلا عن سبب العطل الذي أصابه، ظل صاحب المقهى يقفز هنا وهناك جيئة ودهابا وهو يتصبب عرق لسيم أن كل الزبناء ينتضرون بكل شوق أن تنقل لهم أحداث مباراة كرة القدم لفريقهم المحلي. إلتفت عمر لصاحب المقهى قائلا:

 - لا تقلق أنا سأصلحه... ناولني فقط المفاتيح.
أخد عمر عدة المفاتيح بكل ثقة وعزم وبدأ بفك الإطار الخارجي لتلفاز، مد يديه بداخله أولا متفقدا الأسلاك الموصلة للكهرباء، ليتأكد ما إذا كان سبب العطل ناتج عن إنقطاع أحد الأسلاك، ثم واصل تفحصه لكل أجزائه. لم تمضي فترة طويلة حتى أعاد الإطار لموضعه وقال لصاحب المقهى مبتسما في وجهه.
 - تم إصلاحه يا سيدي
 - بهذه السرعة أصلحته؟
- مجرد عطل بسيط... لا تقلق فلن يصيبه أي عطل بعذا الأن.
اندهش صاحب المقهى وقفز في سرور باتجاه عمر وصافحه بشدة شاكرا إياه على ما بدله من تعاون، ثم أخرج من جيبه ورقة من فئة مائة درهم مناولا إياها عمر في كفه. لم يقبل عمر بأخد النقود من صاحب المقهى وعوض ذلك عرض عليه أن يصلح له الجهاز إن عاود العطب بكل إمتنان وبدون أي مقابل. وفي طريق توجهه إلى الكرسي الذي كان يجلس عليه لوح له ذاك الرجل الغريب مستأدنا إياه بالتحدث معه قليلا، غير عمر مساره في إتجاه الرجل ألقى عليه التحية وجلس، وظل الإثنين يتحدثان طويلا دون أن يعرف أصدقائه ماذا يدور بينهما من حوار، فلم فرغا صافح الرجل عمر بشدة وقال له بكل احترام: نحن في انتظارك..... لما أقبل على أصدقاءه بعد ذلك بوجه بشوش والفرحة تملأ محياه قال لهم وهو مبتسم: ألم أقل لكم... أن كل شيء سيكون على ما يرام...؟؟؟
إسماعيل أتبير

تعليقات